عائلة الجوهري
عدد القراءات: 11040

 

عائلة الجوهري في مدينة نابلس: إرث ديني وعلمي يمتد من الصحابة إلى العصر الحديث

تُعد عائلة الجوهري من العائلات النابلسية العريقة ذات الجذور العميقة في التاريخ العربي والإسلامي. وتنتسب العائلة إلى الصحابي الجليل أبو عبيدة عامر بن الجراح، أحد أبرز قادة الفتوحات الإسلامية وأمين هذه الأمة، كما وصفه النبي محمد ﷺ، ما يمنحها نسبًا مشرفًا يعود إلى قبيلة قريش في الجزيرة العربية.

الأصول وتاريخ الاستقرار في نابلس

استقر أفراد العائلة في مدينة نابلس في سياق الفتوحات الإسلامية، وتشير الوثائق الشرعية إلى وجودها المؤكد في المدينة منذ ما قبل عام 1066 هـ / 1655 م، حيث ورد ذكر أسمائهم في سجلات محكمة نابلس الشرعية. وقد سكنت العائلة في حارة الياسمينة غرب نابلس، ولاتزال المنطقة تضم "حوش الجوهري" الذي يحمل الاسم حتى اليوم، ويُعد معلمًا تراثيًا يدل على عمق وجود العائلة في المدينة.

الارتباط مع عائلة الخماش

عائلة الجوهري وعائلة الخماش النابلسيتان هما في الأصل عائلة واحدة، تعودان إلى الجد المشترك الشيخ صلاح الدين بن محيي الدين بن خليل بن عبد القادر الجوهري. وقد انقسمت العائلة إلى فرعين في القرن العاشر الهجري تقريبًا، حيث لقب أحد أبنائه بـ"الجوهري" لعلمه وفضله، بينما عُرف الآخر بـ"الخماش" نسبةً لوظيفة كان يشغلها في الدولة العثمانية.

الأنشطة العلمية والدينية

اشتهر أبناء الجوهري منذ القرون الوسطى وحتى أوائل القرن العشرين بالعلم الشرعي، والإمامة، والفتوى، ونسخ المخطوطات، والتعليم، والتصوف. وبرز منهم مفتون، وقضاة شرعيون، وخطباء وأئمة ووعاظ، وكانوا من أعمدة الحياة الدينية والقضائية في نابلس.

وقد خلّف علماء العائلة 52 مخطوطة محفوظة في "مكتبة الجوهري" تتناول علوم الدين واللغة العربية والتصوف والمنطق، تم فهرستها وتصويرها من قبل مركز المخطوطات بجامعة النجاح الوطنية. ومن أهم مؤلفات العائلة:

  • "الرسالة الجوهريّة لشرح حل الأجرومية" في علم النحو، ألّفها الشيخ عبد الله بن عبد الغفور الجوهري عام 1724م.

  • مؤلفات وشروحات على ألفية ابن مالك، وشرح الجامع الصغير، وغيرها.

ديوان العائلة

للعائلة ديوانان: أحدهما في حارة الياسمينة، لا يزال قائمًا، وله طابع أثري مميز، والآخر حديث في شارع 16 غربي المدينة، أُنشئ لتوفير مساحة مناسبة للقاءات العائلية والاجتماعات الاجتماعية، مع الحفاظ على الديوان القديم كرمز تراثي.

كما يوجد ديوان آخر لأبناء العائلة المقيمين في الأردن تحت اسم رابطة آل الجوهري والخماش.

أبرز رجالات العائلة عبر التاريخ

من أبرز أعلام العائلة:

  • الشيخ عبد الغفور الجوهري (توفي 1091هـ): مفتٍ، نحوي، صوفي، له مؤلفات في الحديث والمنطق.

  • الشيخ علاء الدين الجوهري (توفي 933هـ): كان مفتياً وناسخًا لتفسير البيضاوي.

  • الشيخ عمر الجوهري (توفي 1181هـ): فقيه، عالم، وكاتب في المحكمة الشرعية.

  • الشيخ إبراهيم الجوهري: عمل قاضيًا ومفتيًا في نابلس بداية القرن الثالث عشر الهجري.

  • الشيخ عبد الرزاق الجوهري: من كبار نساخ المخطوطات، وله نسخ متعددة لمتون فقهية.

  • الشيخ عدلي الجوهري (توفي 1983): آخر قضاة الشرع من العائلة، خريج الأزهر.

  • شاكر راغب الجوهري: من كبار ملاك الأراضي في نابلس، ساهم في إنشاء ديوان عمان.

  • عرفان فؤاد الجوهري، أمين عارف الجوهري، عبد الغني عارف الجوهري: من أوائل الأطباء والمحامين في فلسطين.

  • راضي عبد الله الجوهري: استُشهد عام 1947 على أبواب القدس في المعارك ضد الاحتلال.

  • الشيخ زكي الجوهري: آخر دراويش نابلس المعروفين بقصصهم التراثية.

الحضور الجغرافي الحالي

بعد نكبة 1948، وحرب 1967، انتقل كثير من أبناء العائلة إلى الأردن ودول الخليج العربي، واستقروا في مدن مثل عمان، الرياض، جدة، وغيرها. ويُقدَّر أن نحو 40% من أبناء العائلة اليوم يعيشون في العاصمة الأردنية، بينما بقي قسم آخر في مدينة نابلس.

التحول نحو التعليم المدني

في القرن العشرين، بدأ أبناء العائلة بالاتجاه نحو التعليم المدني، فبرز منهم الأطباء، المهندسون، المحامون، والمعلمون، إضافة إلى استمرار البعض في دراسة العلوم الشرعية، لكن بوتيرة أقل مما كان عليه في السابق.


الخلاصة

تُجسّد عائلة الجوهري نموذجًا فريدًا للعائلات الفلسطينية التي جمعت بين الإرث الديني، والريادة العلمية، والانخراط المدني والسياسي. ولا تزال آثارهم العلمية والوثائقية حاضرة في المحاكم والمكتبات والأذهان، مما يعكس مكانتهم في النسيج الثقافي والتاريخي لمدينة نابلس وفلسطين.

تصميم وتطوير: ماسترويب