موقع مدينة نابلس الالكترونية يتغيّر
زوار موقعنا الأعزاء!
لعلكم تلاحظون أن الموقع يتغير وأن العديد من الزوايا قد تم الغاؤها، وأن التركيز أصبح أكبر على المحتوى، لأن الغرض من موقع مدينة نابلس الالكترونية هو تقديم المحتوى المتقدم عن المدينة، فقد قمنا بحجب الكثير من المحتوى الغير منظم ويجري حالياً مراجعة كامل المحتوى وسيتم نشره تباعاً حسب وفرة الوقت للمحرر.

مدير ومؤسس الموقع: م. سامي الصدر

مقال اليوم
فتحي البلبل : رصاص المحتل أنهى حياة المسنّ في عقده الثامن داخل بيته

هي حكاية الإجرام و حقدٌ دفين تنفثه فوهات البنادق الناطقة بلسان القوّة العاجزة .. و هي تاريخٌ يمتدّ من زحف السراب تؤذيه الحياة ، دقّات قلبه كانت تؤلمهم ، أنفاس شيخوخته طالما أشعرتهم بالعجز عن فهم منطق الحياة .. و لهذا قتلوه ... دماؤه على السرير كانت شاهدةً و كذلك موس الحلاقة الذي اقتات منه لسنوات ...

هكذا روَت قصّة استشهاد المسنّ فتحي  البلبل (85 عاماً) حكاية المحتلّ مع ضحيّته ، حكايةٌ لا مقياس فيها إلا المسافة الفاصلة بين جنديٍّ يحمل الرصاص و عجوزٌ نائم على سريره في سكون الليل و لا منطق إلا منطق القوة التي يضعف صاحبها كلّما تمادى في ظلمه .

 

قصّة استشهاد البلبل أثارت المشاعر و الأحاسيس لدى المواطنين في نابلس ، فرصاص المحتلّ لم يمنح الفرصة للأطفال لمواصلة حياتهم غير أنّه بالنسبة للشهيد البلبل أنهى حياةً طويلة و أطول من عمر المحتلّ نفسه .

تقول زوجة الشهيد البلبل - أم أنور - إنّ زوجها هو عمّ الشهيد عصام البلبل الذي سقط برصاص الاحتلال خلال الانتفاضة الأولى و في العام (1989) .. و تضيف بأسى و حزنٍ شديد على فراقه أنّه يوم استشهاد ابن أخيه احتضن جثمانه باكياً و رفع رأسه بين يديه قبل أنْ يرفع كفّيه للسماء سائلاً الله الشهادة و اللحاق بابن أخيه حتى أصابه ما تمنّى و استشهد في بيته الذي قضى فيه ثمانية عقود حتى صار كأحد أعمدته التي تشير إلى تاريخٍ طويلٍ يتجذّر في ذاكرةٍ حيّة تعجز عن محوها صروف الدهر و الأيام .

 

استيقظ سكان البلدة القديمة في نابلس على أصوات الجنود الصهاينة و هم يتسلّلون لواذاً إلى قلب حيّ القصبة في البلدة ، و اتخذوا مواقعهم في المنازل و على الأسطح و بين الأزقة يرقبون كلّ حركةٍ تدلّ على الحياة و بدأت عمليات الدهم و التفتيش و اقتحم الجنود منزل المواطن خالد الظاهر حين استيقظ الحاج بلبل على أصوات الجنود أو لربما لصلاة الفجر ، لقد كان مجيئهم في قلب الليل هو الإيذان بقرب الصباح ، حيث تقول زوجته إنّه قد اعتاد القيام باكراً و الوضوء و صلاة ركعاتٍ قبل الفجر .. في حين يقول بشار إنّ والده يختار النوم في الغرفة القريبة من الشارع بحثاً عن الهواء و الجوّ الرطب في أيام الصيف قبل أنْ ينهض عن سريره في تلك الليلة ليغادر الغرفة بعد سماعه أصوات الجنود الصهاينة و إطلاق الرصاص ، غير أنّه لم يكنْ يعلم أنّ مغادرته للغرفة التي ينام فيها جريمة لدى المحتلّ تستحقّ أنْ يُرمى بالرصاص .

 

أحصى سكان الحيّ و المجتمعون من الناس و الصحافيّون الذين حضروا في اليوم التالي أكثر من عشر رصاصاتٍ تركت بصمات الموت في أرجاء الغرفة المختلفة ، آثار الدماء كانت شاهداً جديداً على بشاعة جريمة يرتكبها جنودٌ مدجّجون بالخوف و الخسّة بحقّ عجوزٍ حاول أنْ يبقى على قيد الحياة ، الدماء في كلّ مكانٍ على السرير الحديديّ القديم ، و على ما تدلّى منه من بطانياتٍ كان قد أعدّها ليأوي إليها إذا دهمه البرد فجأة ، بقعةٌ أخرى بقيت على مرمى البصر على أرض الغرفة تدلّ على إمعان الجزار في جريمته ، كمية الدماء المهروقة في كلّ مكان تدلّ على تأخّر إنقاذ الشهيد البلبل ، لقد منعوا الإسعاف من الوصول ، عرقلوا الطواقم الطبية و احتجزوها لساعاتٍ قبل إنقاذه ، و حتى أفراد عائلته لم يستطيعوا الوصول إليه ، حيث يضيف أحد أبنائه : "عندما سمعت صوت الرصاص شعرت أنّه يُصوّب على بيتنا ، لقد كان من الواضح أنّ الجنود المتمركزين في بيت الظاهر القريب يطلقون النار على غرفة أبي ، توجّهت فوراً للغرفة و لكنّي لم أفعل شيئاً" .

منع تطاير الرصاص في الغرفة بشار من دخولها رغم إدراكه أنّ والده قد أصيب ، و كرّر المحاولة مراتٍ و مرات ، و في كلّ مرّةٍ كان يتعرّض للرصاص فيعود من حيث أتى إلى أنْ انسحب المحتلّ من قلب البلدة حين تمكّنت عائلة الشهيد من دخول غرفته لتجده جثة هامدة فوق سريره .

 

وصل الإسعاف و أخذ الجثّة للمستشفى غير أنّ الجنود الذين كانت بقاياهم تهمّ بالانسحاب آثروا أنْ لا يتركوا فرصةً يثيرون النقمة فيها عليهم إلا و اغتنموها ، أصرّوا على منع الإسعاف من نقله و لم يسمحوا لها بالمرور و التوجّه إلى المستشفى إلا بعد منع ولده من مرافقته رغم علمهم أنّ هدفهم المنشود قد صار جثة هامدة .

استشهد البلبل و سواء كان قد غادر فراشه استعداداً للصلاة أو تجنّباً للرصاص ، فقد بقيت عيناه تطلّ من صورته المعلّقة على الجدار لتزرع في قلوب الناظرين إليه معنى التحدّي و عنفوان الحياة التي تبدأ و تنتهي دون أنْ تأبه لقرار الرصاص .

 

 

ماذا تعرف عن!
تصميم وتطوير: ماسترويب