وداعا عميد الاطباء: د. زاهي القمحاوي
وداعا عميد الاطباء: د. زاهي القمحاوي
وداعا عميد الاطباء: د. زاهي القمحاوي
عدد القراءات: 9744

بقلم: أ. رافع دراغمه

جامعة النجاح الوطنية

بالامس كنت بيننا تحمل على وجنتيك ابتسامة، انت وحدك من حملها، وبالامس وارى الثرى جسدك الطاهر وسط زحام من الخلائق الذين جاؤوا يشيعونك الى مثواك الاخير. يحار قلمي ماذا يخط في فراقك يا ابا عماد، فقد حدثنونا عنك الاجداد، هذا كان منذ سنين بعيدة، فقالوا لنا: كنا حين نشعر بالم ما، نشد الرحال الى مدينة نابلس، ولا نعرف من الاطباء فيها الا د. زاهي القمحاوي، والمفاجيء اننا وفي لحظة دخولنا عيادته نشعر وكأننا قد شوفينا من آلامنا. ويبدو انه حين اطلقت على اسم ولدك البكر عماد، كنت تعبر عن كونك عميد من عمداء الطب في مدينة نابلس التي تئن على فراقك. عرفتك منذ زمن بعيد ولكن كان لي الشرف في معرفتك عن قرب منذ اكثر من عشر سنوان، حيث كنت طبيبا للعائلة حتى آخر ايام حياتك، وشهادة حق اقولها، لم يحدث يوما ان تلقيت انا او احد افراد اسرتي علاجا في عيادتك الا وكان الشفاء على يديك، فانت طبيب كل الامراض، وحين كنت ادخل عيادتك، والتي اشعر بانها حزينة كمثلي على فراقك، كنت تبدو هادئما في بداية اللقاء وما يلبث ان تعلو الابتسامة فوق شفتيك والحديث معك كان يحلو ويطول في مواضيع شتى، واذكر انني قلت له يوما: بعض المرضى يقولون بانك سريع في تشخيص امراضهم، فما الامر؟ تبسم وقال لي: اسمع، انا اعتمد في تشخيصي على ثلاثة عوامل، يبدأ اولها منذ نظرتي الاولى الى المريض فور دخوله عيادتي، والامر الاخر بعد السماع من المريض ومن ثم حين تمر سماعتي فوق الالم. وسألته مرة مستغربا سر تمتعه بروح الشباب وعنفوانهم، فما السر في ذلك يا دكتور؟ قال لي وهو يبتسم: هل تعلم بانني قد دخلت سن السبيعينات منذ فترة، إنها الخضار والفواكه والرياضه. نعم وملعب بلدية نابلس وبركة السباحة تشهد له بذلك. انا من المؤمنين بحتمية الموت ولكن ما الذي جرى يا ابا عماد؟ ومن اين جاءك هذا المرض اللعين؟ يبدو ان الخضار والفواكه كان لها دورا في هذا المرض الذي لا يرحم من يستضيفه، ويبدو ان هناك من ماتت ضمائرهم حين يعالجون تلك الخضروات بالمواد الكيماوية غير آبهين بحياة البشر، نعم، طبيب يداوي الناس وهو عليل. لقد احبك الاطفال والكبار والشيوخ، مرارا يسألني اطفالي عن اختفائك، وكان ذلك ايضا يوم وارى الثرى ابتسامتك، فقلت لهم: إنك مسافر ولكن ربما يطول سفرك هذه المرة، فهي ليست كتلك السفرات القصيرة التي كنت تزور بها ابناءك في الخارج للاطمئنان عليهم، ولا ادري ما الذي دفعني لان التقط لك بعض الصور قبل سفرك للعلاج في الخارج، وكم تالمت حين علمت بمرضك، ولا ادري ماذا سيقول ما تبقى من الاجداد على فراقك، انا على يقين بان رحيلك سيترك فراغا كبيرا، ولن ينساك الكبير ولا الصغير ولن تنساك دور الدواء وزملاؤك الاطباء، وكم تألمت حين رأيت الدموع تملأ اجفان ابنائك حينما وارى الثرى جثمانك الطاهر، سنبقى ندعو لك بالرحمة بعدد ما كتبت يديك من حروف على وصفات العلاج وبقدر ما اثلجت قلوب المرضى بالشفاء وبقدر الامان الذي كنا نشعر به من خلال ابتسامتك التي لن يمحوها الموت من مخيلتنا، ولك مني ومن اسرتي الف رحمة يا شيخ الاطباء وعميدهم.

 

أضف تعليق
تغيير الصورة
تعليقات الزوار
تصميم وتطوير: ماسترويب