منجدو نابلس يصارعون من أجل بقاء المهنة عربية
عدد القراءات: 2335

يضطجع عصام بلالم، المنجد العربي في نابلس القديمة في الضفة الغربية على جنبه الأيسر وكأنه في حلبة مصارعة وهو يخيط لحافاً محشوا بالصوف، لكنه يخوض في قرارة نفسه صراعاً آخر يأمل من خلاله أن يحافظ على مهنة التنجيد التقليدية التي اشتهرت بها هذه المدينة.

ويتحرك الرجل حول الغطاء الأزرق للحاف الذي تشوبه ألوان غامقة أخرى في حركة دائرية من خلال وضع طرز متتابعة ومتساوية الأبعاد بين الواحدة والأخرى لتبدو الطرز المتسلسلة وكأنها خطوط تستقيم وتتربع في اتجاهات متعددة تشكل عند التقائها مجموعة كبيرة من الأشكال الهندسية جميلة التشكيل متساوية الزوايا.

وبينما هو كذلك, يدخل رجل في متوسط عمره على محل بلالم الواقع في منطقة باب الساحة في البلدة القديمة، يطلب وسادتين من قطن, ويخبره بلالم بأن عليه العودة في اليوم التالي لاستلام الغرض المطلوب.

وعرفت مدينة نابلس بهذا النوع من الصناعات التقلدية التي أثرت فيها الحداثة إلى حد كبير بعد أن دخلت الأغطية والفرشات المصنعة اوتوماتيكيا على خطوط هذه المهنة التي تروج في المدن الكبيرة، ويكفي التجول قليلاً في ثنايا نابلس القديمة لمشاهدة كيف يعمل أصحاب هذه المهنة التقليدية التي تدعى بالتنجيد العربي.

وإضافة إلى ما تتطلبه مراحل التنجيد النهائية من قدرة على التشكيل الهندسي في الخياطة فإنها بحاجة إلى خفة حركة اليد، وفي الماضي كان عدد كبير من الزبائن يرتادون محل رائق عناب للتنجيد الذي يعمل فيه بلالم منذ أربعين عاما, لكن في هذه الأيام فإن بضع زبائن لا يتجاوزون الثلاثة يدخلون المحل لخياطة وتنجيد لحف الصوف المأخوذ من الضأن البلدي.

وفي هذا المحل الذي يتوسط صفا طويلا من محلات التنجيد وبيع الأقمشة وصناعة الأثاث الخشبي، نثرت أكوام صوف بدا بعضه قد قص حديثا والبعض الآخر أفرغ من أغطية قديمة ليعاد تنجيدها من جديد. وقال بلالم الذي يستخدم مقصا كبيرا وعصى مأخوذة من شجرة رمان وشلة خيطان بيضاء ومشرطا حادا، "نعيد نفش الصوف القديم مرة اخرى ليصبح هشا".

وفي المحلات المتقابلة التي تشكل جزءا من البلدة القديمة يعرض المنجدون من أمثال محمد نظمي منا (70 عاما) ما نجدوه من الأغطية والوسائد وأيضا ما هو معد للتنجيد كي تلفحه أشعة الشمس وتتطاير الغبرة العالقة فيه.

ويعمل منا في التنجيد منذ 45 عاما، انتقل خلالها بين أكثر من محل حتى استقر به المقام في محل الحاج اسكندر الذي علقت صورته في واجهة بارزة من المحل دلالة على تعلق عائلته بهذه المهنة التي امتهنوها منذ 150 عاماً.

كان منا يجهز تنجيد غطاء صوفي لأحد الزبائن, وقال الرجل وهو مسك بقضيب حديد بيد وبطرف اللحاف باليد الأخرى، "العمل ممتاز" لولا اختراع الإسفنج".

وبعد سنوات على دخول التكنولوجيا الصناعية على خط عملهم، عزف المنجدون عن استخدام بعض الأدوات المساعدة في مهنتهم مثل قوس الحديد. والآن يستخدمون آلات كهربائية تساعدهم على نفش الصوف كي يخرج ناعما وسهل الاستخدام بين طيتي القماش قبل تطرزيهما بالطرز.

وفي محلي الحاج اسكندر وعناب هناك مثل هذه الآلات التي تعمل دون ضجيج. وفي الغالب يفضل جزء من القرويين رفد منازلهم بأغطية صوفية ووسائد منجدة تنجيدا عربياً, ويحتفظون بها وغيرها من الفراش لسنوات دون استخدامها. وقال المنجد منا، "الناس في القرى يفضلون تنجيد اللحف والأغطية مرة كل عدة سنوات وفي المناسبات مثل الأفراح والأعياد كي يسهل استخدامها".

في شوارع وحارات بلدات وقرى الضفة الغربية يمكن بسهولة مشاهدة المنجدون يجولون على المنازل لتنجيد الفراش. بيد أن أعدادهم أخذت خلال السنوات الماضية تقل شيئاً فشيئاً. والانحسار في عمل هذه المهنة طيلة السنوات الماضية دفع بأسعار الصوف المقصوص من قطعان الضان البلدي إلى الهاوية, وكثير من مالكي القطعان رموا الصوف في مكبات النفايات.

لكن مؤخرا دفع الطلب على الصوف من أجل تنفيذ مشاريع غزل الصوف التقليدي التي تتبناها مؤسسات تعاونية شمال الضفة الغربية إلى ارتفاع أسعار هذه المادة قليلا، بيد أن هذا ليس ما يتمناه المنجدون التقليديون الذين يصارعون الحداثة من أجل بقاء مهنتهم رائجة. وقال منجد شاب ويدعى عمار يعمل في زاوية صغيرة قرب حارة باب الساحة، إنه بالرغم من وجود الاسفنج بأسعار معتدلة إلا أن الصوف مثل الماء لا يمكن الاستغناء عنه.



أضف تعليق
تغيير الصورة
تعليقات الزوار
تصميم وتطوير: ماسترويب