صالح الصمادي 1893-1933
عدد القراءات: 2552

يذكر الأديب الأستاذ يعقوب العودات (البدوي المُلثــَّـم) في كتابه (من أعلام الفكر والأدب في فلسطين) أن صالح الصمادي ولد في عاصمة جبل النار نابلس في عام 1893 م، وكأترابه من أبناء جيله إلتحق بأحد كتاتيب نابلس ليتعلم القرآن الكريم ومبادىء اللغة العربية والحساب، ثمَّ انتقل إلى مدرسة النجاح الوطنية التي كانت محضناً لأفكار الحركة الوطنية العربية التي كانت تتصدَّى لمظالم حكومة حزب الإتحاد والترقــِّـي الذي كان غالبية قادته من يهود الدونمه ومن الماسونيين والتي كانت تتسلط على مقاليد الأمور في الدولة العثمانية، ثمَّ انتقل إلى بيروت لينهي دراسته الثانوية في المكتب السلطاني، ثمَّ انتقل إلى إسطنبول ليتخرَّج من كلية الحقوق في جامعتها العريقة، وكان يرافقه في جميع هذه المراحل رفيقه في الجناح الشبابي للحركة الوطنية العربية الزعيم السياسي والأديب الشهير الأستاذ عادل زعيتر، وخلال وجوده في إسطنبول كان صالح الصمادي من أنشط شباب الحركة الوطنية العربية وانضمَّ إلى المنتدى الأدبي الذي كان نشطاء الحركة الوطنية العربية المقيمون في إسطنبول قد أسَّـسوه في عام 1909م ليكون منطلقا لنشاطاتهم ضدَّ مظالم الإتحاديين، وبعد تخرجه من جامعة إسطنبول في عام 1916م قامت حكومة الإتحاد والترقـِّـي بتجنيده مع رفيقه عادل زعيتر والعشرات من الشباب العرب كضبَّـاط إحتياط في جيش حكومة حزب الإتحاد والترقــِّــي ولكن سرعان ما اكتشف الإتحاديون نشاطاته الوطنية فسجنوه في الأناضول وتمكـَّـن من تسريب قصيدة نظمها في سجنه إلى رفاقه قال فيها:

ما راعني أننــي أغدوصريعَ أذىً                   وسط السجون ومصلوبا على النـُـصب ِ
لم يلهني عن بني قومي وعن وطني                وعْــدُ الطغاة وبذل المـال والرُتــب ِ
إن يُقبض الحرُّ أويبقى فإن لـــه                      ذكرا ً يُخلـَّـدُ في الأسفـار والكتـــب ِ

 ومن قصيدة أخرى يقول:

قد أوجس الأتراك منا خيفة                 فاستحسنوا إطفاء كل منار

فزججت في مقر السجون وما دروا       أن المحابس حبة الأحرار

أن يصلب الأعداء جسماً فانياً              فالروح تأوي مسكن الأبرار

تبقى البلاد إذا تعهد أمرها                  عدل ولا تبقى مع الأشرار

وطلب منه يعقوب العودات ( صاحب كتاب أعلام الفكر والأدب في فلسطين ) يوم كان معلماً في إحدى مدارس عمان أن ينظم شعراً يحفظه الطلاب ويتغنون به فأنشد صالح الصمادي:

أيها الزائر أرضي                 مرحباً مني وأهلا

أن ترمي في خدمة قومي                   فانتظر خسفاً وويلا

بلغ الأغيار أنا                      في الوغى نركب هولا

قل لمن يبغي علينا                 ليس قهر الأسد سهلا

من يطق حكم الأعادي كان مقطوعاً أذلا


وبعد خروجه من السجن علم صالح الصمادي ورفاقه بقيام الثورة العربية بقيادة الشريف الحسين بن علي ضدَّ مظالم حكومة الإتحاديين الماسونيين فتسلل مع صديقه عادل زعيتر وعدد من الشباب العرب من معسكرهم متوجهين إلى جبل العرب ومنه إلى شرقي الأردن ليلتحقوا بجيش الثورة العربية بعد رحلة عانوا فيها الجوع والعطش والبرد حتى أشرفوا على الموت لولا أن تداركتهم عناية الله فوصلوا إلى بئر ماء فارتووا منه ثمَّ سجدوا شكرا لله على نجاتهم، والتحق صالح ورفاقه بالجيش العربي الشمالي في منطقة أبو اللسن الذي كان يقوده الأمير فيصل بن الحسين بن علي، وعندما دخل الأمير فيصل إلى دمشق وأعلن عن قيام الدولة العربية بزعامته وتتويجه ملكاً عليها من قبل المؤتمر السوري العام عُيِّـن المحامي صالح الصمادي سكرتيراً لوزارة العدلية في حكومة الدولة العربية التي كانت تتخذ من دمشق عاصمة لها، ثمَّ عُيِّـن أستاذاً في معهد الحقوق بالجامعة السورية، وبعد نجاح المحتلين الفرنسيين بتواطؤ الإنجليز من القضاء على الدولة العربية إلتحق الصمادي مع العديد من الشبَّـان العرب بالثورة السورية التي عمَّـت سوريا ضدَّ المُحتلين الفرنسيين، وقاتل الفرنسيين في جبهة جبل العرب (الدروز) التي كان يقودها الزعيم الدرزي سلطان باشا الأطرش، وعندما ضيَّـق المحتلون الفرنسيون الخناق على الثوار إنتقل صالح الصمادي إلى شرقي الأردن ونشط في الحركة الوطنية الأردنية، وبعد تأسيس الإمارة الأردنية بزعامة الأمير عبد الله الأول بن الحسين وتشكيل أول حكومة برئاسة اللبناني رشيد طليع عُيـِّـن المحامي صالح الصمادي حاكم صلح في عمان، ثمَّ رئيساً لمحكمة بداية السلط، ثمَّ عضوا في محكمة الاستئناف بعمان ثمَّ استقال من سلك القضاء ليتفرَّغ للمحاماة وللعمل السياسي ناشطا في الحركة الوطنية الأردنية التي كانت تتصدَّى للإحتلال البريطاني لشرقي الأردن وفلسطين وللمُخطط الصهيوني البريطاني»وعد بلفور»لإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، وشارك الصمادي مع بعض الشباب في تأسيس جمعية سرية للتصدِّي للإنجليز باسم جمعية ام القرى ، وأصدر في 13 / 10 / 1927 م جريدة صدى العرب التي كانت صفحاتها مشرعة لرجالات الحركة الوطنية الأردنية المعارضة الإنجليز الذين كانوا يتربَّصون بالجريدة وبصاحبها وواتتهم الفرصة حين نشرت مقالا كتبه الصمادي ضدَّ المعاهدة البريطانية ـ الأردنية فأوعز الإنجليز لحكومة حسن خالد أبوالهدى الصيَّـادي بإغلاقها وقدمت صاحبها للمحكمة، ولم تـُـثن مضايقات الإنجليز المحامي صالح الصمادي عن الإستمرار في نشاطاته المعارضة حتى وفاته في عام 1933 م عن أربعين عاما في حادث مؤسف يصفه الأديب الأستاذ يعقوب العودات البدوي المُلثــَّـم في كتابه ( من أعلام الفكر والأدب في فلسطين) بالعبارات التالية :»في ليلة من ليالي شتاء عام 1933 م كمن وحش بشري لصالح الصمادي وهوخارج من مقهى حمدان في طريقه إلى بيته وأهوى عليه من الخلف بهراوة غليظة( قنوة) أصابت رأسه وأدخلته في غيبوبة، وبعد أيام قليلة قضى هذا الوطني المؤمن نحبه وفاضت روحه إلى بارئها، وبموته خسرت القضية العربية مناضلا شريفا طيب السيرة شبَّ على حبِّ قومه ووطنه العربي والذوذ عن حياضه، ونشرت مجلة الحكمة التي كان يصدرها سماحة الشيخ نديم الملاح في عددها الصادر في شهر ذي القعدة 1351 هـ / آذار 1933 م نبأ الإعتداء على المحامي الصمادي تحت عنوان: فجيعة مؤلمة، قالت المجلة في خبرها : ضربت يد الغدر في الشهر الماضي صديقنا المحامي المعروف صالح بك الصمادي الحسيني بعصا مُحدَّدة على رأسه فأغمي عليه ولم تمض أيام حتى قضى نحبه فخسرنا بفقده قانونيا قديراً وأديباً شاعراً ومؤرِّخا مُحققا تحلى بمكارم الأخلاق والإخلاص لعروبته وإسلاميته، تغمده الله برحمته وألهم الله والديه جميل الصبر على فقدهما لوحيدهما العزيز، وستقام للفقيد حفلة تأبين تليق به.

 

أضف تعليق
تغيير الصورة
تعليقات الزوار

1

د.حازم الصمادي، الاردن
رحمه الله واسكنه فسيح جنانة
تصميم وتطوير: ماسترويب