الشهيد محمد البسطامي : صمته المدوّي زلزل أركان مستوطنة "أرئيل"
الشهيد محمد البسطامي : صمته المدوّي زلزل أركان مستوطنة
الشهيد محمد البسطامي : صمته المدوّي زلزل أركان مستوطنة "أرئيل"
عدد القراءات: 1881

"من جبال النار الملتهبة يخرج الاستشهاديّون الكبار، و من قلعة المجاهدين العظماء تنطلق مواكب الأحرار لتسطّر بحروفٍ مضيئة أروع صفحات العزّ و الفَخار .. "محمد البسطامي" ذاك الشاب اليافع الذي اختار أنْ يسجّل اسمه في سجلّ الشهداء لأنّ الأمم لا تحيى إلا بشهدائها .. و لأنّ الأرض المغتصبة لا يستردّها إلا أبناؤها الشرفاء ، و لأنّ أشجارها لا تسمق لتطاول عنان السماء إلا حين تُروى بدماء الشهداء" ..

 

وُلد الشهيد محمد كزيد فيصل البسطامي في السابع عشر من آب عام 1983 بمدينة نابلس و عاش في كنف أسرةٍ ملؤها الطهر و العفّة و التديّن ، فتربّى و نشأ على أفضل القيم و أعلى الأخلاق ، تلقّى تعليمه في مدارس نابلس ثم انتقل إلى جامعة النجاح الوطنية ليدرس برمجة الحاسوب بكلية المجتمع .

 

نشأ الشهيد محمد في مسجد عقبة بن نافع الذي يشهد له على التزامه بالصلاة فيه و تلقّيه دروس العلم و الإيمان في أنحائه .. فكلّ كبيرٍ و صغير يعرف محمداً الذي أينما ذهب فاضت منه الرياحين ، و سُرّ به كلّ من رآه ، يملأ الأرجاء حباً و فرحاً ، و كان يردّد حديث النبي – صلى الله عليه و سلم - "تبسّمك في وجه أخيك صدقة" ، و كان يساعد كلّ محتاج و يكون أول المتطوّعين في أيّ عملٍ خيريّ .

 

و هو كما يصفه إخوانه في المسجد كان هادئاً قليل الكلام كثير الإصغاء و الصمت ، محبّاً لإخوانه ، لا يعرف الكذب ، عطوفاً على الصغار محترماً للكبار ، كان آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر ، لا يخشى في الله لومة لائم و قد تميّز بين أقرانه بقول الحقّ و لو كان مرّاً ، و فضلاً عن قوة الإيمان و العقيدة لديه فإنّ كلّ من يراه كان يلمس فيه رباطة الجأش و حسن الخلق و بشاشة الوجه ، و لصوم النوافل و قيام الليل عنده حصّة كبيرة من حياته الإيمانية حتى أنه صام نصف شهر شعبان في سنته الأخيرة و كان يحبّ قيام الليل ، و قد رأته أمّه في آخر ليلة و هو قائمٌ يصلّي و يدعو الله تعالى .

 

و كان لشهيدنا مع القرآن الكريم جلسات و رحلات ، فكان يحبّ قراءة كتاب الله بتجويدٍ و صوتٍ نديّ جهوري .. كيف لا و هو الذي تربّى في أحضان المساجد و رضع من لبن الدعوة إلى الله فانغرس في قلبه حبّ القرآن و الدعوة إلى الله ، و ما إنْ ترعرع و أيفع حتى أخذ على عاتقه تحفيظ الأشبال الصغار كتاب الله الكريم و كان يحثّهم و يشجّعهم على حفظه و كان من أسمى أهدافه أنْ يغرس في نفوس الصغار حبّ القرآن الكريم .

كان محمد في آخر أيامه يزداد تقرّباً من إخوانه و يجلس معهم الساعات الطوال و يمازحهم و كأنّه يقول لهم .. هذا المزاح و هذه المحبة و الأخوة هي حبل الذكرى الخالد الذي لن ينقطع و إن نأينا عن بعضنا البعض .. و كان يوصي إخوانه و يرسل إليهم رسائل المحبة و هم لا يدرون أنّ الشهيد القادم سيكون محمداً .

 

امتحان خطير :

و يقول والده عن يوم استشهاده : "خرج محمد من المنزل يوم 27/10/2002 ليؤدّي امتحاناً في كليّته و لم تظهر عليه أيّ علامةٍ أو أيّ شيءٍ غير طبيعيّ ، فقد كان تصرّفه في الصباح بشكلٍ طبيعيّ جدّاً و لم يشكّ أحدٌ مطلقاً بأنّه ذاهبٌ لأيّ مهمةٍ أو عملية ، و لكنّه تأخّر عن البيت و لم يعدْ في موعده ، فاتصلنا على جوّاله عدة مرات و لكنّه لم يجب .. و بعد صلاة المغرب وردنا اتصالٌ هاتفي من مجهولٍ عرّف عن نفسه أنّه من كتائب الشهيد عز الدين القسام ، و أخبرنا أنّ محمداً هو الذي نفّذ عملية "آرئيل" ظهر ذلك اليوم .. فقلت الحمد لله .. حسبي الله و نعم الوكيل و لا حول و لا قوّة إلا بالله ، و ما كان من أخيه إلا أنْ سجد لله سجود الشكر على هذه الأعطية" .

 

و يضيف والده : "قبل يومٍ من ذهابه لتنفيذ العملية تحدّث محمد إلى والدته طالباً منها أنْ ترضى عنه كثيراً و أنْ تدعوَ له ، و فعلت والدته ما طلب منها ، و قد استغربت من ذلك و قالت له لماذا كلّ هذا ؟ فلم يخبرها بشيء و قال لها (لا شيء ، أحبّ أنْ ترضي عني و تدعي لي)" .

 

و قد كان يلمّح لأمه أحياناً عن حبّه للشهادة ، و صباح يوم تنفيذ العمليّة طلب منها صورةً له فقالت له : "و ماذا تريد أن تفعل بها ؟" فقال : "أريد أنّ أعطيها لحبيبتي" ، فقالت له أمه: "و من هي ؟" ، فأجابها : "إحدى حوريات الجنة" ، ثم مازح أمّه و ضحك معها و ذهب .

 

على خطى الأحبة :

عشق محمد الشهادة في سبيل الله فلحق بركب أحبّ إخوانه إليه الشهيد المربّي عمر منصور ، و الشهيد المحبّ عماد الزبيدي ، فأقسم أنْ لا يلقى الله عز و جلّ إلا بعمليةٍ نوعية كبرى تهزّ أركان العدو و تزلزل أقدامهم .. و كان له ما أراد .

فكانت تلبية الله عز و جلّ لدعائه قريبة و كما تمنّى ، فها هو يقوم بعملية استشهادية نوعية حطّمت أمن العدو في أعتى معاقله ، و اختار هدفه بدقّةٍ و عناية ليفجّر عبوته و يجعل من جسده قنبلة تفتّت أجساد المحتلين و تجعلهم يذوقون مرّ الكأس و يقتحم عليهم حصونهم و يكون الهدف مجموعةً من الضباط الكبار في جيش الاحتلال و جنوده الجبناء ، فأوقع منهم أكثر من ثلاثين بين قتيلٍ و جريح ، و من بين القتلى كان قائدٌ عسكريّ برتبة "ميجر" و هو الذي قاد ألوية جيش الاحتلال لإسقاط و احتلال قلعة "شقيف" خلال حرب لبنان عام 1982 ، فأسقطه شهيدنا أشلاء ليكون رسالةً للعدو بأنّ مجازركم و حربكم لن تمرّ دون عقاب مهما طال الزمن ، و مهما توالت الأيام فالدائرة ستدور عليكم .

رحل مجاهدنا عن الدنيا الزائلة إلى الحياة الباقية بكلّ عزةٍ و شموخ و إباء ، رحل عنها و قد أذاق العدو درساً جديداً في المقاومة ، و علّمه أنّ شعبنا لن تلين له قناة في جهاده و تصدّيه لهم ، و أنّ شعبنا و مجاهديه لن يألوا جهداً في ابتكار أساليب و وسائل جديدة في مقاومة المحتلين .

 

 

أضف تعليق
تغيير الصورة
تعليقات الزوار
تصميم وتطوير: ماسترويب