الشهيدان الأخوان علاء و مراد مرشود أحدهما رحل في عمليّة استشهاديّة و الآخر ضحّى بنفسه من أجل الوفاء لصديقه
عدد القراءات: 2373

بين الأزقة الضيقة في مخيم بلاطة قرب نابلس تنتشر روايات شعبية في شتى ألوان الأدب الفلسطيني الحديث ، فقد استبدل الفلسطينيّون نشيدهم من (زريف الطول و جفرا) إلى أحاديث عن الشهداء و الدماء و غياب من اعتادوا رؤيتهم و أحبّوا مجالستهم و كانوا يوماً ما جزءاً من ماكنة الحياة و ضجيج النهار الذي يميّز المناطق الفلسطينية قبل أنْ تسكنه أصوات الانفجارات و هدير الرصاص .

 

أحد عناصر تلك اللوحة المرسومة في قلب المخيّم هو الحاج (سليمان زهدي مرشود) الذي كان يجلس متأمّلاً في وجوه من التفّوا حوله علّه يجد في قسماتها تشابهاً مع ولديه اللذين غابا تاركين للشجون كلّ فرصة لتختلج في قلب الوالد ، قبل أنْ يبدأ حديثه و هو ينظر إلى صورتهما و قد عُلّقت على أحد الجدارن القريبة من ضمن آلاف الصور التي لا تغيب عن الذاكرة الفلسطينية قائلاً : "ضربتين في الرأس تؤلم ، لم أكد أفيق من رحيل ابني علاء حتى لحقه مراد بعد أقلّ من شهرين" .

 

ففي تاريخ 17/6/2002 استشهد علاء سليمان مرشود بعد أنْ نفّذ عملية استشهادية قرب قرية (جت) في المثلث المغتصب على طريق الخضيرة .. و تابع الوالد حديثه و هو يداعب لحيته بأصابعه التي بدا عليها طول الكدّ و صعوبة الحياة : "طلبت من علاء أنْ يحضر مكاني إلى بسطة الخضرة في المخيّم يوم السبت لانشغالي بموعدٍ في مقسم الهويات ، فاعتذر بكلّ أدبٍ و قال إنّه لا يستطيع لارتباطه بموعدٍ مع صديق و قال إنه سيحضر يوم الأحد قبل ، أنْ يتردّد للحظات و يضيف (إذا أراد الله)".

 

كان تردّد علاء ينبع من خوفه ألا يتمكّن من البرّ بوعده الذي قطعه لوالده قبل أنْ يضيف عبارة "إذا أراد الله" ، و كأنّه هنا يبثّ عبرةً للناس جميعاً أنّ إرادة الله فوق كلّ الاعتبارات و القرارات و أنّ حكمته الكبيرة هي التي تدفع الشهداء للموت في سبيل قيمٍ روحيّة و وطنية و دون التخلّي عن الكبرياء الفلسطيني المزروع في ذاكرة الأجيال كابراً عن كابر .

 

و يكمل الوالد قصة استشهاد علاء قائلاً : "و في صباح يوم السبت لم يحضر علاء إلى البيت و ارتفعت وتيرة قلقنا على تأخّره بعد أنْ انقضت ليلة السبت غير أنّ يوم الأحد مرّ أطول دون أنْ نعلم شيئاً عن علاء ، أمّا يوم الإثنين فلم يعدْ الوضع قيد الاحتمال فبدأنا البحث عنه و الاتصال بكلّ أصدقائه و من نتوقّع أنهم قد يعلمون شيئاً عنه ، و الجواب الوحيد لدى الجميع  (لم نره من يوم الجمعة)" .

 

أمّا يوم الثلاثاء 17/6/2002 فقد حملت الفضائيات نبأ وقوع عملية استشهادية في قرية جت بعد أن ركض استشهاديّ فلسطينيّ ليواجه سيارة جيب عسكرية صهيونية بجسده المتحزّم بالقنابل و وقع الانفجار الذي أدّى لمقتل ضابطٍ صهيوني و جرح آخرين حسب الرواية الصهيونية نتيجة العملية التي أعلنت سرايا القدس التابعة لحركة الجهاد الإسلامي المسؤولية عنها ، موضّحة أنّ منفّذها هو الاستشهادي (علاء سليمان زهدي مرشود) .

 

استشهد وفياً لرفيق دربه :

أمّا مراد فلاستشهاده قصة أخرى ، اغرورقت لذكراها عيون الوالد بالبكاء و هو يمسَح شعره الذي لم يبقَ الزمان عليه صفة السواد بل كساه بحلّةٍ ناصعة من الشيب الذي يقول عنه رسول الله صلى الله عليه و سلم "إنّ الله يستحي أنْ يعذّب شعرةً شابت في سبيله" .

فبعد استشهاد علاء وصل شقيقه مراد ذروة الإصرار على مواصلة دربه و الحقد على الصهاينة الذين قتلوا الأطفال و النساء و الشيوخ فتجنّد الاستشهاديون بأحزمتهم الناسفة و راحوا يدفعون الظلم عن أنفسهم بتفجيرها ناراً في وجوه المجرمين .

 

رافق مراد أحد المطاردين المقاومين للاحتلال و هو الشهيد (علي عجوري) إلى جبال جبع قرب جنين ، و هناك تدهور وضع العجوري الصحيّ فقام مراد بنقله إلى عيادات الأطباء في بلدة طوباس حيث تمّ رصد تحرّكاتهم الاضطرارية من قِبَل العملاء و ذوي القلوب المريضة و الأعين الخائنة و الأيادي السوداء ، ليكتشف الصهاينة مكان اختبائهم في أحد المغر .. و في الثانية صباحاً بدأت المروحيات الصهيونية بقصف تلك المغر بالصواريخ ، فطلب العجوري من (مراد) أنْ يغادر مبلِغاً إياه أنّه قد اختار الشهادة لعدم إمكانيته المغادرة بسبب وضعه الصحيّ ، فأبى مراد و أصرّ على البقاء للدفاع عن صديقه حيث كانا دوماً يردّدان أغنية ثوريةً تقول في أحد أبياتها :

 

لو مية طيارة من فوقي             و ألفين دبابة قدامي

لأجعل سلاح من صدري                  و أحمي رفيقي

 

و هذا ما كان ، فقد ارتفعت قيمة الموت كثيراً في نفس مراد على الحياة ناكصاً تاركاً رفيقه هدفاً للصواريخ و فريسة للطائرات حتى استشهدا معاً ، و التحمت شظاياهما بتراب الأرض و بين المغائر لتكتب قصة جديدة لا زالت شعوب الأرض تستقي منها العظات و العبر .

 

أمّا أسرة الشهيد مراد فما علمت بالخبر حتى غمرها الكبرياء ، فقد أصبحت أسرة شهيدين فجّر أحدهما جسده إعلاناً لرفض الذلّ فيما آثر الآخر التضحية بنفسه و ماله و جسده لحماية صديقه المريض في جبال جبع مرج القسام و ميدان بطولاته .

استشهد علاء في جتّ المحتلة عام 1948 بينما استشهد مراد في جبع المحتلة عام 1967 و كأنّ في استشهادهما عبرة لمن بقيَ بعدهما أنّ أرض فلسطين كلٌّ لا يتجزّأ ، كلّ روته دماء زكية فأعطتها قدسية تباهي بها معالم جغرافيا العالم .

فهنيئاً لكما يا علاء و يا مراد ... و مرحى للشهداء

 

أضف تعليق
تغيير الصورة
تعليقات الزوار

1

شاب، جينين
اقدم احر التعازي الى اهل مراد وعلي وعلاء ونؤكد ان دماء الشهداء لن تذهب سدى كتائب شهداء الاقصى

2

كتائب شهداء الاقصى، مخيم بلاطه
قسما يا مراد اننا في فلسطين اننا لن تذهب دمك هدرا لا انت ولا كل الشهداء فلسطين مجموعات الشهيد احمد عقل الطيراوي مخيم بلاطه

3

صديق وفى كرماوي، طولكرم
هنيئا لكم على هذة الشهادة الكبير يا اعز الاصدقاء الاوفياء هنيئا لك يا علاء يا صديقى الوفى والله لن انساك مهما طال الزمن ودار فانت اعز صديق عرفته واصدق صديق لقيته فى حياتى فذكراك لا تزال فى القلب ناقوس تدق فى عالم النسيانولن انسى تلك الايام التى قضيناها معا اخوك وصديقك الوفى ( A )

4

عبدالله، فلسطين
اليوم 2011/8/6 يصادف الذكرى السنوية التاسعة على استشهاد احد رموز سرايا القدس الشهيد البطل مراد مرشود الفاتحه على روحه الطاهرة المجد والخلود لشهدائنا الابرار والحرية لاسرانا البواسل .. الله يرحم جميع شهدائنا الابطال

5

سائد عيساوي، فلسطين بلا طه لبلد
الله يرحمك يامراد

6

ام، نابلس
الله يرحم كل شهدائنا وكلي فخر اني فلسطينيه

7

الورده البيضاء، فلسطين
الله يرحم شهداء ال مرشود لانهم فخر لمخيم بلاطه
تصميم وتطوير: ماسترويب